بداية النهاية .. لضحية كذبة



بقلم : أ. خلود السالمي 

تتذكرون أعزّائي القراء بأنّني تحدثت في المقال السابق  ” ضحية كذبة “ عن معاناة الأرملة بشكلٍ عام مع المجتمع، وهذا ما أثقل كاهلي كثيراً، فالماضي الجميل الذي كان مع زوجي الذي لا يسمح لكان من كان بأن يتدخّل في خصوصياتي انتهى تماما، وشعرت بأنّ المجتمع بات ينظر إليّ نظرة المرأة التي يجب أن تتوقف عن الحياة تماماً، وعن الاهتمام باللبس، وعن رش العطورات على نفسي وعلى أبنائي الذين هم قطعة مني ومن زوجي رحمه الله، ومن واجبي أن أكون لهم الأم المثالية خُلُقاً وخِلْقةً، وتناسوا أيضاً أنّني أنثى مِنْ حَقّي ومِنْ حقّ أبنائي، وكذلك صديقاتي وقريباتي بأن أظهر أمامهم باللبس المرتب، المصحوب بالعطر الأنيق كتركيبة طبيعية لأيّ أنثى في العالم مهما كانت جنسيتها، ومهما كان دينها، حتى أستطيع أن أزرع الاهتمام والأناقة داخل أبنائي، وأسير بِمملكتي الصغيرة نحو النجاح .

نجحت ولله الحمد في تأسيس أبنائي على الاهتمام والأناقة، لأنهم كانوا ولازالوا يروني المرآة الوحيدة لهم، والتي تُغنيهم عن كلّ المرايات .

كان زوجي رحمه الله يأخذ الأبناء إلى حضيرة الأغنام، وكانت هذه متعة أطفالي، حيث كانوا يقومون برعايتها وتوفير حبوبها، وحشائشها، ويترقّبون ولادتها، ويتمازحون مع أبيهم بتقسيمها بينهم، وسط ضحكٍ وأمل، وكان هذا الأمر روتيناً اعتدت عليه في حواراتهم، وكانوا يذهبون للنوم مبكراً وبهدوء، حتى يسمح لهم والدهم رحمه الله بالذهاب معه إلى مكانهم المُفضّل .

وذات يومٍ أتى الغد، ومات الأب، وماتت معه ضحكات أطفالي وحواراتهم معه، وغطّى عليهم الحزن، والألم، واكتفوا بالدموع، وأنا اكتفيت بالاحتضان، وكان يدور في ذهني ماذا يُخبيء لي هذا الزمان، حيث كان الماضي جميلاً، والحاضر أليماً بوفاته، ويبقى المستقبل في المجهول .

وذات يومٍ جلست مع نفسي لأقول:

ولماذا أحكم على حاضري بالألم؟ وقد ترك لي زوجي ولأبنائي راتباً تقاعدياً، ومسكناً محترماً ، وترك لي حلالاً، وقبل ذلك ترك لي ٤ أبناء مِن واجبي أن أكون صامدة في الحفاظ على حقوقهم، وتوفير متطلباتهم .

أول قرار كان يجب عليّ أن أتّخذه ومن خلال مبدأ (إذا رحل الغالي لا حسرةً على الرخيص) هو أن أقوم ببيع الأغنام، فلم تعدْ تهمّنا طالما رحل والدنا، حيث أنّ هذه الأغنام ربّما تتوقّف معها حياتنا، لأنّنا كلّما تذكّرناها بكيْنا ألماً وقهراً على فراقه لنا ، فيكفي أن نشاهده دائماً بيننا ولن ننساه ما حيينا.

ولأنّ المجتمع غريب جداً، شعرت بأنّهم فكّروا بأنّ هدفي مِنْ بيع هذه الاغنام كان هدفاً مادياً رغم أنّ ذلك مِنْ حقّ أبنائي، فلن أكون الأمّ المثالية إن لم أستطع جلب حقّهم، ولكن والحق يُقال بأنّ هدفي الأسمى كان عدم انشغال صغاري سوى في دراستهم، وحياتهم، حتى يكونوا خير خلف لخير سلف .

ووقعت من البداية ضحية كذبات وشكوك حول هذا الأمر، حيث بدأت الشكوك نحوي، وماهو هدفي من بيع هذه الأغنام، وسبب هذه الشكوك كان من خلال توصيل معلومات غير صحيحة للمجتمع، الذي صدّق الكذبات للأسف، وبدأت أخسر العديد من أبناء هذا المجتمع نتيجة تزييف الحقائق، ونقل عكس ما قلته تماما ، وبدَأَتْ حياتي الجديدة بكذبة عَلِمْت معها بِأنني يجب أن أكون صامدة تجاه هذا المجتمع الغريب .

ومع ذلك لن أُنْكِر بأنّ نتيجة هذه الكذبة كانت بداية النهاية، حيث خسرت الكثير مِمّن صدّق هذه الكذبة، ولم يبقى معي إلّا مَن عرف معدني، وفي الختام أقول :
‏ناس على الكذب تمشي مصآلحهآ،
تطعن بظهر العظيم وتضحك أمامه،

انتظروني في المقال القادم وشكرا لكم.