التابلاين .. حكاية لم تنتهِ
بقلم : منيف الضوِّي
قال لي برسالة الكترونية ندمت ندماً شديداً على أنني لم أتعلم اللغة العربية ، وقد أعجبه أن مواطنا سعودياً لايزال يهتم بذكرياته التي قضى منها أكثر من ربع قرن في بلادنا .
جون ماكينجي هولندي مسن يقضي بقية أيامه في كوخ على ضفاف أنهار وغابات هولندا الساحرة . تلقى قبل سنوات دعوة لحضور حفل زواج ابنة أحد أصدقائه العرب في البحرين ، فحكى لأحد أصدقائه حينما حضر الزواج عن رغبته بزيارة الأماكن القديمة التي كان يعمل بها في محطات خط الانابيب الذي أنشأته المملكة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله لنقل البترول إلى ميناء صيدا بلبنان وكان مشروعاً ضخماً نشأت بسببه محطات ضخ تحولت فيما بعد إلى مدن حضرية نمت بسرعة حتى غدت غريبةً على ماكينجي الذي تركها وقتذاك تجمعات سكانية لا تكاد ترى فيها غير بيوت قليلة معظمها بيوت شعر، كانت المدن التي نشأت على ضفاف هذا الخط الحديدي تعج بالحياة الحديثة، حيث نشأ مطار دولي في طريف قبل كثير من المدن السعودية الكبرى، وكانت ملاعب القولف تنتشر بكثرة في رفحاء وعرعر، وعرف الأهالي السينما والأفلام الأمريكية قبل نظرائهم في مناطق المملكة الأخرى، وكان الستيك المشوي والبان كيك والدوناتس الأمريكية على موائد الأهالي في الوقت الذي كانت تشح فيه موائد كثير من المناطق، وكان تلفزيون التابلاين يبث للمواطنين برامج خاصة لايراها غيرهم، وكنت ممن شاهده في أواخر بثه، وكانت حفلات أم كلثوم وسميرة توفيق تُبث مسجلة واعتاد الأهالي على مشاهدتها. أيضاً كان الحكيم وهو الطبيب اللبناني يعالج المرضى، وكان معظم الأطباء من لبنان، وجلبوا معهم الثقافة اللبنانية، وانتشرت اللهجة اللبنانية موازية للكلمات الأمريكية التي يستخدمها الأهالي وكأنها عربية مثل البيذر وهو خزان الماء المتحرك، والكانتين هو المطبخ الذي يعد الطعام، والونيت(سيارة ون أين81)، والكفر، وكلمة تشانس أي حظ، وغيرها الكثير الكثير الذي لايمكن حصره.
لقد كانت حياة مختلفة تماماً، وكانت أشجار الأثل الأمريكية تزين الشوارع في تلك المدن، وبعضها وقف بشموخ حتى الآن يتحدث عن نفسه ونفائسه.
أما صاحبنا ماكينجي فقد نشر رحلته تلك على موقعه الشخصي على النت، وزوده بالصور والذكريات القديمة، ولكن ماذا فعلنا نحن للوفاء مع تلك الذكريات؟
للأسف لقد ذهب أكثرها مع الريح، ولم يبقَ إلا صور وحكايات غير كافية يتم عرض بعضها في مهرجان الجنادرية في جناح منطقة الحدود الشمالية، وبعضها تحتفظ فيه شركة أرامكو في أرشيفها، وكان الأولى إضافة لذلك عمل متحف ضخم أو مدينة مصغرة كنموذج لتلك الحياة التي تضاهي حياة الأمريكيين الآن، والتي لا تعرف عنها الأجيال الحالية إلا حكايات تتلاشى مع الأيام، رغم أهميتها في حياتهم، وما وصلوا إليه من تطور وحياة مدنية يحسدهم الكثير عليها. فمن يعلّق الجرس لإحياء هذا الإرث التاريخي الهام كما فعل ماكينجي؟!