أزهارٌ في الرمس
بقلم : فاطمه روزي
كبُرت تلك الزهرة اليانعة ذات الغصون النضرة، مفعمة بالبراءة، حيث أدركت معنى الحياة الأسرية، فكان حلمها كحلم أي فتاة ترتدي ثوبًا أبيض كاللبن الصافي، مزركش بلؤلؤ الفرح مرصع ببريق الأمان، يتبادر إلى ذهنها شكل الفستان بفصول السعادة التي تتمناها في ليلة العمر بإطلالتها الملائكية .
تبدأ التجهيزات السعيدة لتلك الليلة الأسطورية، وفي ختام العرس الفريد يوصي الأب العطوف بحفظ تلك الدرة المكنونة، ثم تودعها الأم الرؤوم وهي تصارع دموعها وتوصيه بالإهتمام بالجوهرة المصونة، فيرد عليهما.. هي في الحفظ والصون وبمقلة العين وبسويداء القلب .
ها هي تغادر منزل الطفولة المرح لعش الرحمة، ومآذن الانسجام، وهي تبني مدينتها المقدسة قصراً من جنة الحب الجامح، يفوح عبق الصبر الجميل من جداره، يعزف صلوات الحِلم الهادئ في كل حجرة، أبواب عشقٍ ساحرة مذهلة، نوافذ أشواقٍ هائمة، ستائر منسوجة بخيوط الوئام المعطرة، وأريكة الحنان تتراقص بربيع مزهر، ومنضدة ألفة تترنم بسيمفونية المودة، أما المرآة محفور عليها أحاسيس الرفق المخملية من نور، لتضيء عتمة الأيام القادمة، وعصافير الإحترام تجوب العش الصغير ترفرف بجناح اللين .
لم تعلم تلك البريئة ماذا كان يخبئ لها القدر ..؟ كيف ستبدوا حياتها وكيف ستمضي ..؟ كانت تظن أنها تلك الملكة المتوجة على عرش قلبه، يا لها من أحلام وردية ذبلت ثم رحلت فماتت فقد أصبحت الآن أسيرة زنزانة عقله السقيم، بميدان الإحتلال الغاشم البهيم، يوجه لها جيوش العنف ببراكين الإضطهاد، لتصبح بين يديه كالأرجوحة يقلبها كيف يشاء، يتفنن برماح التعذيب ما بين الشروق والغروب، لا يهتم بصرخاتها المدوية، توسلاتها، نحيبها، استغاثتها، وفوق كل ذلك يقتلها بدمٍ قارس .
لم يكن هذا مقتصراً على الزوج فقط, فبعض الآباء والأخوان يعنفونها ويسلبون حقوقها وحريتها وميراثها، وقد تُقتل إذا أوجب الأمر، فيصبحن في مهب الريح أزهارٌ في الرمس .
إنه لأمر جلل حين انتزعت من مضغته الشفقة لشقه المريح، والرأفة لضلعه الهادئ، يا لها من قلوب أشد قسوةً من الحجارة أفنت القوارير. فجرائم قتل النساء أصبحت ظاهرة شائعة الآن، رغم أن ديننا الحنيف كرم هذه الإنسانة الرقيقة سواء أكانت أم، أخت، ابنة، و زوجة، فلم يكن العنف فى قاموس هذا الدين القيّم، فالعنف ضد المرأة ليس إلا مرض عضال يجب استئصاله، نسأل الله تعالى الهداية والصلاح والفلاح للجميع .
ومضة :
النساء لسن إلا شقائق الرجال، عامود المجتمع أساسه و ثروته فحافظ عليها بمزامير حنانك، خشوع حبك، تراتيل أشواقك، وأنغام دلالك كي تبقى دائماً ثرياً بها .