صراع المناطق النفسية المحظورة
بقلم / خالد عبدالله الثمالي
حقيقة قاسية لدينا مشكلة في الوعي بسبب كثرة الخطوط الحمراء التي نضعها كأطر تشكل قواعد حياتنا، ونتوقع أنننا من خلال هذه القيود نرسم مكانة لذواتنا وشخصياتنا، ونعتبر الحياة بلا أطر مدعاة للضعف والاستغلال واستهانة الآخرين وتعديهم على مساحاتنا النفسية ، ونربط الأطر بقناعات أنها مثل وقيم يجب على الكل أن يقدرها، ونعيش في مخطط خيالي وصراع مع الأنا بسبب التعدي على مناطقنا المحظورة.
تدور عجلة الحياة فنجد أنفسنا في صراع داخلي يخلق لنا أزمات في علاقاتنا الاجتماعية ويقيد حريتنا ويصادر عفويتنا ويشوه الوجه الجميل الذي يجب أن نعيش به الحياة ونتعامل مع المجتمع المحيط بارتدادات غير منضبطة تنعكس عبر نوبات مزاجية حادة ،وردات أفعال مبنية على الظن والاعتقاد ونجرم بمصداقيتها.
منطقيا أتدرون لماذا نعتقد حقيقة مصداقيتها؟
بسبب الأطر التي وضعناها وكونا صورة ذهنية مبنية على اعتقادات ونعامل الناس بأسلوب نعتقد أنه مثالي ونوهم أنفسنا أن الآخرين يجب أن يكافئونا بتعامل مثيل ونبدأ نصنف كل ردات فعل للآخرين ونبني ردات فعل وفق صورنا الذهنية الوهمية وكلها تقود للصراع والقطيعة لأنها مساحات نفسية وهمية.
رفعنا مستوى القلق والتوتر في حياتنا بسبب الحسابات الهندسية للمناطق المحظورة وفوجئنا أن الكل يتجاوز منطقة الحظر بدون وعي أو اعتبار، خلقنا صراعاً داخليا لا يهدأ وعقل يمنطق القوانين وكبرياء يصر من لم يلتزم نذقه ردات فعل مماثلة أو تجاهل أو نكسر أحد قوانين أطره النفسية التي نتوقع أنه يشكل بها منطقته المحظورة أو نعفوا ونصفح ونتركها لله وذلك أرقى الخيارات.
العمر رحلة عبور واستخلاف للعبادة والعمل وقد نظم الله حياة البشر بأن جعل حياتهم تستقيم عبر أحكام شرعية و قيم وأخلاق ، حثت عليها كل الكتب السماوية وكان الأنبياء نماذج بشرية تطبق القوانين الربانية التعبدية والشرعية وتتمثل التعاملات الأخلاقية النبيلة التي كفل الله تنظيم حياة البشر أكمل تمثيل؛ لأن البشر حينما يأتي نبي منهم ويطبق هذه القيم تكون التربية بالقدوة ويبدؤون في التقيد والالتزام ، أما لو كان الأمر مجرد وحي يتلى لتوقعوا أن الأمر منهج رباني والبشر لا يستطيعون تطبيقه على أكمل صورة.
وقد امتدح الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه بقوله تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم }القلم [٤].
هل تتوقع أن الأطر الحمراء التي تضعها لنفسك ستبلغ جزاء من كمال القيم والأخلاق التي نصت عليها أحكام الشريعة ومنهاج خلق النبي صلى الله عليه وسلم!!!
بالطبع لا إذن يجب أن نتخلى عن رسم مناطق محظورة، وهي في الحقيقة مساحات نفسية حارقة نفرضها لنعيش فيها صراعنا ومحاكماتنا التي ترهقنا وتبدد سعادتنا وراحتنا وربما من استباحها لم يقصد ولم يشعر ويأتي بالغد مبتسما فنزج به في معتلق الخبث والنفاق ، وتستمر كرة اللهب المتدحرجة التي كلما عادت لنا ألمتنا وأحرقتنا ونصتلي بسعيرها وتسببت في الفرقة والشتات والقطيعة بين الناس وأشد ضرواة بين الأخوان وذوي الرحم.
الحل بالالتزام بمنهاج النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله باللطف والكلمة الطيبة والعفو والصفح ، وحب الخير والإحسان إلى الآخرين حتى تصبح قيم ومثل نتعامل بها بطريقة لا واعية، عبارة عن برمجة تغلق كل المساحات النفسية المحظورة ولا يصور لك الشيطان أن هذا من الضعف ، فالقوة الحقيقة في إقفال المناطق المحظورة وميادين اللهب التي أسهمت في خلق صراع ودوامات نزاع يتدرج فيها الإنسان عبر دوامات الصراع حتى يقف يوما ضد نفسه.
الإنسان يعيش في كبد وعندما يخلق له مساحات محظورة تصبح ميدان للنزغات الشيطانية، لذا القوي من حكم ضميره ونهل من أحكام دينه وسنة نبيه وسار عفويا محبا ومحبوبا ، بشوشاً يكفي أن يسير الإنسان محكما ضميره ومراعيا ربه لا يريد ظلم أو إذا أحد .
فوجئت بوفاة أحد أصدقائي في مدينة الطائف رحمك الله يا ماجد العمري نفس زكية ذات خلق ونبل وفطرة وسلامة صدر نحسبه كذلك ونشهد على طيب كنهر جارٍ، ثم تأملت مرارت الفراق والرحيل والموت فأمسكت قلمي واتقد الفكر واسترسلت في تأملاتي في حياة فانية، فوق أنها دار ابتلاء واختبار نضيق على أنفسنا الحياة برسم مخططات نفسية لا نريد من الآخرين تجاوزها فكانت لحظة استبصار تنجلي فيها عتمة التعقيدات النفسية.
عش بسيطا متسامحا عفوياً محباً للناس مبتعدا عن كل ما يسبب لك القطيعة والحرمان من التواصل بكل شفافية، وتمثل قيم النبي صلى الله عليه وسلم فهو المعيار الأكمل والأمثل المبني على أحكام الشريعة وحكم رباني، فمرارة الفراق قاسية ولحظات الرحيل موجعة ونوبات الألم حارقة، بسبب أزمات نحن من سببها وكونها وصدقها وتجرعنا مرارتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم محفزا لمثوبة حسن الخلق والتعامل الراقي ، وكان الإنسان بحاجة للصبر ومكابدة النفس . عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي” .
وروى الترمذي (2018) وحسنه عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي “.
خلاصة القول كما قيل في الأثر الأدب نسب لمن لا نسب له يكفيه شرفا ورفعة أنه صاحب خلق وأدب ينال مكانة التقدير والاحترام كأنه من أعز الأقوام ، وسئل عبدالله بن المقفع عندما اشتهر بأدبه ” قيل له من أدبك قال نفسي إذا رأيت خلقا حسناً أتيته وإذا رأيت خلقا قبيحا اجتنبته”.
ولعل المعيار المتوفر لدى الإنسان باستمرار في كل المواقف هل ترضى أن تعامل بالخلق الذي تعامل الآخرين به؟؛ يتقد الضمير الحي إذا كان هناك تناقض ويسطع النبل والرقي فيترك كل ما يؤذي الآخرين.