ماذا نحكي يا بيروت



بقلم: نسيبه علَّاوي

و أنت تتابع -مشدوهًا-ما يحدث في بيروت ..يثور الجرح الكامن في وجدانك.. جرح العروبة النازف دمًا منذ زمن ..من بغداد إلى الشام..و من القدس إلى اليمن..فتتساءل: أي سيناريو مُثخن كُتب لنا أن نمشي عليه حافين الحلول..معصوبيْ الإرادة؟!!
و إلى أين يا أمةً بكت من أوجاعها الأمم؟!!فالجرح يهوي فوق جرحٍ و القتيل على قتيل.

ماضون و الماضي على أكتافنا..
مستسلمون لكل ريحٍ عاتية..
ما هكذا كنا نريد حياتنا..
لكنها كُتبت علينا دامية ..
“حذيفة العرجي”

و لكن ..ربما ينبعثُ من بين كل هذا الركام زنبقة سلام.. و ينفذ من سحب الدخان بصيص أمل ..لأنه يستحيل أن يكون ظلام بهذا الحشد إلا و صبح قريب يتبعه..و فد بلغنا و الله أدلج ليلٍ مرَّ بنا على امتداد التاريخ..و اشتدت عقدة الكربات علينا حتى خُنقنا فما من متنفس.

ثم أنَّ كل ما مرَّ و يمرُّ في كفه ..و هذا التشرذم بيننا -نحن العرب-و التنابز و التلامز في كفةٍ أخرىٰ..تُصعق و أنت تتابع المواقع الإفتراضية و هي تطفح بكم هائل من العداوات و الأحقاد المتراشقة..ما بين مهاجم و مدافع و مسالم.. ما بين مُغيَّب و مُدرِك و وطنيْ و مُندس..لا تدري أهذا حالنا حقًا أم أنَّ شيئًا يُحاك في السر قد تمَّ دسه و بثه و صبه في قوالب شيطانية تحت مسميات براقة..خاطفة.. فهذا ينتمي لحزب.. و ذاك ينتمي لمذهب..و آخر ينتمي لقضية.. و قل على الإنسانية و الضمير و العروبة السلام!!

تُغلق هذه المنابر المأفونة..و تتابع على الشاشة ما تتناقله القنوات.. فتجد شيئًا من الطمأنينة يعود لك وأنت تشاهد الدول تتكاتف و تُعزِّي و تتبرع..و أنت ترى الألم يعتصر الوجوه و القلوب المكلومة على بيروت الجميلة..و أسراب القصائد و الكلمات تتوالى على مسامعك فتطربك المشاعر الصادقة التي كنت بأمسِّ الحاجة لطبطبتها على شكوكك و ارتجافاتك ..فما زلنا لحمة واحدة إن اشتكى منا عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمَّىٰ .. أو هكذا تتمنىٰ…

ماذا نتكلم يا بيروت..
و في عينيك خلاصة حزن البشرية..
ماذا نتكلم يا مروحة الصيف و يا وردته الجورية..
من كان يفكر أن نتلاقى -يا بيروت-و أنتِ خراب؟!
من كان يفكر أن تنمو للوردة آلاف الأنياب؟!
من كان يفكر أنّّ العين تقاتل في يومٍ ضد الأهداب ؟!
لا أفهم أبدًا يا بيروت ..لا أفهم كيف نسيتي الله و عُدتي لعصر الوثنية !!

#نزار قباني