غرس القيم بين المسؤولية والتآزر ..



بقلم | كلثوم سابو

 

يتشاطر كلاً من الأسرة والمدرسة مسؤولية توجيه الأبناء نحو الصفات المحمودة والسلوكيات الإيجابية وذلك باستخدام مختلف السبل والأفكار المتوارثة والحديثة المعينة على غرس القيم وتأصيلها وقد يتفق الجميع على أن غالبية أبناء الجيل الحالي يستمدون قيمهم من نظرائهم ومن الزخم التقني المحيط بكافة جوانب حياتهم الشخصية والاجتماعية والفكرية، الأمر الذي تزداد معه صعوبة عملية التوجيه لأنها تحتاج إلىإقناع يسبقه حوار ونقاش وانصات يتبعه تقبل الراي وتفنيد الاختلاف دون خلاف أوإغلاق الأبواب .

من هذا المنطلق توارد إلى ذهني مجموعة من الأسئلة منها على سبيل المثال:

تُرىَ إلى أين وصلت عملية التوجيه لغرس القيم وتقويم الغير مرغوب فيها في ظل جائحة كورونا ؟

ما المعايير التي يمكن الاستناد عليها للحكم على ثبات القيم المزروعة، ومامستوى تجسيد أبنائنا لها قولاً وفعلاً ؟

من أهداف المناهج الدراسية غرس القيم..

كيف يمكن قياس أثر ذلك على الأبناء في ظل الانقطاع الاضطراري عن المدرسة ؟

كم اسرة تخلت عن دورها التوجيهي خضوعاَ وتعاطفاً مع الأبناء بحجة الشعور بالملل والفتورمع ظروف الوباء العالمي كورونا ؟

افترضنا أن العملية التعليمية التعلمية ستستمر عن بعد كيف سيستمر دور المدرسة في عملية تأصيل القيم عن طريق المناهج في ظل ظروف الوقت ومشكلات التقنية المحتملة؟

أين كانت الإجابات فقد نتفق في أننا كأفراد مسؤولون نقف أمام تحدي بالغ التعقيد والقوة ، يستوجب حشد وتآزر القوى؛لمواجهة الثقافات العالمية التي تبناها أبنائنا حتى أصبحت هويتهم التي يستدل عليها الآخرون بمجرد رؤية سلوكهم أوالاستماع إلى أفكارهم.

وقد اقف والقارئ الكريم وقفة تأمل في القيم التي يكتسبها الأبناء في المدرسة بمختلف الطرق، وطوال فترة تواجدهم في المدرسة، سواءً كانت بشكل مباشر أوغير مباشر، في الصف مثلاَ أوفي الساحة وأثناء الوقوف في الطابور الصباحي أوخلال الأنشطة اللامنهجية .

هل هي كافية وعميقة؟ مناسبة لعمر وظروف المتلقي؟

وبمعنى آخر إلى أي مدى نالت القيم التربوية المنهجية واللامنهجية نصيبها من الاهتمام والتفعيل الفعلي مع التقييم والتقويم في البيئة المدرسية ؟

وإذا كانت الإجابة بنعم فلماذا يعج الميدان بالمبادرات والدورات التدريبية التي تتناول موضوع غرس القيم وتأصيلها ؟

أن الجهود المبذولة من قبل الأفراد أو المجموعات بشتى طرق التوعية والتوجيه تسعى لردم الفجوة المزعومة بين الأجيال، وتحاول التأكيد بأن قيمنا صالحة لكل إنسان مهما اختلاف الزمان والمكان لأنها مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، حتماً تلك الجهود تستحق التقدير والشكر إلا أن اختصاص فئة محدودة من المجتمع بتلك المبادرات والدورات جعل من عملية انعاش بذور القيم في نفوس الأبناء تسير ببطء شديد لا تكاد ثماره تنضج حتى تعود ذابلة ، مستسهلة الارتواء بثقافات وقيم المجتمعات الأخرى، خاضعة لأساليبهم وأدواتهم التي تتسم بالتجديد والتنوع والشمولية.

أن عودة الأبناء إلى حضن القيم الإسلامية واتصالهم بخيوطها الممتدة عبر الأزمنة أمنية يمكن تحقيقها،إذا اشتركت وعمِلت كلاً من الأسرة والمدرسة والمؤسسات الربحية والغير ربحية تحت مظلة واحدة وبأهداف متصلة، ومستمرة قابلة للتقييم والتقويم .

وختاماً يسعدني مشاركة القارئ الفاضل في بعض التجارب التي استهدفت ذات النطاق والتي أتمنى أن تكون ملهمة لأبحاث أو أنشطة تتظافر حولها الجهود وتتعاون تحت مظلة رسوخ القيم.

كان للمشروع الثقافي الفكري “كيف نكون قدوة” الذي رعاه صاحب السمو الأمير خالد الفيصل، والذي استهدف كافة شرائح المجتمع بمافي ذلك قطاع التعليم من أجمل الفرص التي بذل فيها التربويين بمشاركة الأسر جهود جبارة في الأنشطة اللامنهجية حيث كان له بالغ الأثر والتأثير على سلوك الأبناء ومن البذور التي زرعتها بفضل الله في نفوس الطالبات الجداول الفردية القيمية التي اتسمت بالتقييم الذاتي والبطاقات الجماعية الاجتماعية القيمية بصورها التنافسية إضافة إلى بطاقات المسؤولية الفردية حيث كانت جميع الأفكار تدور حول القيم الشخصية والوطنية والأخلاقية والاجتماعية.

عند زيارتي لمدرسة الرؤية في دولة الكويت الحبيبة،في رحلة ممتعة ومفيدة،أكثرما شد انتباهي سياسة أستاذتي نسيبة المطوع اكرمها الله ورفع قدرها حيث ترجمت تلك السياسة الاهتمام بغرس القيم بشكل يؤكد مفهوم المسؤولية تجاه الأبناء فمن مرحلة التمهيدي إلى الثانوي خُصصت حصة كاملة تتناول مواضيع القيم وتطبيقها عملياً ،والأجمل أن التقييم لم يكن مرتبط باختبار أو درجات، بل كان يجسد مفهوم التواصل بين الأسرة والمدرسة لدعم الأبناء وتقويمهم ،والرائع في الأمر انعكاس ذلك التعاون على سلوك الأبناء.

مبادرة نعيم التغيير تلك المبادرة التطوعية التي نهضت بجهود وتآزر مجموعة من التربويات وانطلقت خارج اسوار المدرسة محلقة بأهداف وأماني يغلفها الإحساس بالمسؤولية يسبقه الأيمان بمفهوم الاستخلاف في الأرض،كانت منذ انطلاقتها ومازالت تستهدف مختلفالفئات أما نجاحها فيعود إلى بذورها الخمسة التي تُسقى بمفاهيم وأهداف علمية تربوية توقظ النفوس وتشدها نحوصحة العلاقة مع الله،وسنة رسوله المصطفى، والعلاقة مع الذات ومع الآخر والعلاقة مع الوطن، بتوجيه سلس متكامل من خلال الدورات واللقاءات التي تُعزز وتمكن القيم قولاً وسلوكاً.

أن المتأمل في تلك التجارب يجدها وغيرها مماهو منتشرفي مجتمعاً ،تتشابه في استقلالية المنهج والوقت فهل من المستحسن إفراد منهج ووقت للقيم؟

سننجح ذات يوم بمشيئة الله تعالى في جذب عقول أبنائنا نحو قيمنا الأصيلة ، المستمدة من القرآن العظيم ومن أنوار سنة المصطفى الحبيب، سننجح أذا تكاتفت الجهود واتصلت وتواصلت.