أنا غشاش ؟!!



في ظل جائحة( COVID 19) وما حصل على مستوى العالم من تداعيات ، حرصت مملكتنا العظمى على مكافحة المرض بشتى الأساليب الفعالة ، وحرصت جنبا إلى جنب على استمرار عجلة التنمية و التطور و التعليم واستمرار جميع نشاطات الحياة لكي لا تُوقفها الجائحة ، وتضيِّع علينا وقتاً ثميناً بتُّ أراه مفصلياً في زمن السرعة والإنجاز .

التعليم على سبيل المثال ، وهو أحد محاور التنمية والتطور ، كان مبدعاً عبر إطلاق منصة (مدرستي) للتعليم العام ، وهذا إنجازاً يُشار إليه بالبنان، وكونها المرة الأولى للمنصة التعليمية ، إلا أنها نجحت في استيعاب هذا العدد الهائل من أبناءنا الطلاب والطالبات للدراسة عن بعد، ومكنتهم من الخضوع للتقييم التعليمي والحضوري لجميع المراحل التعليمية حتى على مستوى المرحلة الابتدائية.

هنا تبدأ قصتي حينما جلست قبل أيامٍ مع ابنتي والتي تدرس في الصف الخامس الإبتدائي، وهي تحضر دروس الصف على منصة مدرستي ، وعجبت لمدى انضباطها وقتياً ودراسياً، وفهمها التام لكيفية التعامل مع الأيقونات والجداول والواجبات والبث المباشر، وكان لديها تقييم في مادة الرياضيات في ذلك اليوم، ولا يحضرني هل كان تقييماً فعلياً أو تجريبياً.

بدأ التقييم أو الإمتحان إن جاز التعبير، وكانت تحاول ابنتي أن تجيب على أحد أسئلة التقييم ، وبدت معالم وجهها متوترة !وكنت أجلس على الطرف المقابل من الطاولة ، فقمت ووقفت بجانبها وأشرت بإصبعي على الإجابة الصحيحة و لم تكن قد إختارت إجابةً بعد ، وليست بحاجة إلى مساعدتي فهي كانت في مدرسة الموهوبين بالولايات المتحدة الأمريكية وتميّزت في علم الجبر.

كانت ردة فعلها قاسية في طياتها حيث قالت:(أنت غشاش) بنبرةٍ طفوليةٍ بريئة مصحوبةً بنظرة استنكار، وهي تشير إلى تعليمي إياها قولاً بأن الغش حرام وللأسف لم أتقن تطبيق ما علمتها على أرض الواقع دون قصد .

خرجت مسرعاً وأنا على أتم اليقين أنني ارتكبت خطأً تربوياً فادحاً ، رغم بساطة الموقف في أعيننا ، ومن منا لا يتمنى أن يحصل ابنه أو ابنته على التميز في الإمتحان .

فكرت ملياً فيما حصل وأدركت أن الأبناء يسمعون كل كلمةٍ ينطق بها الأب والأم ويظل المعيار الحقيقي للتربية الصحيحة هو تطابق الفعل مع القول .

وأن الأبناء يتأملون ويطبقون ما يفعل الوالدان أكثر من الإنصات لهم،وأن التناقض بين القول والفعل والنهي ؛ قد يسبب عجزهم عن التمييز بين الصواب و الخطأ مستقبلاً ، وربما أدى إلى اهتزاز مصداقية الوالدين لدى أبنائهم ، بل وربما تهتز ثقة فلذات أكبادنا في أنفسهم ، ويحاولون حينها البحث عن قدوة يستنيرون به ، و عن مصدر موثوق غير متناقض بعيداً عن الأم والأب !! وهنا تكمن المشكلة .

أرى أنه ليس عيباً إن أخطأ الوالدان أو أحدهما أن يعترف ويصحح الخطأ أمام أبنائه، وهذا أدنى الكمال ، لأن أعظم ما أخشاه أن يقلد الأبناء أخطاء والديهم ظناً منهم أنها سلوكيات صحيحة ، وذلك بحكم مخيلة الابناء وخاصة الصغار منهم ؛ التي تترجم ما يبدر من الوالدين أمام أعينهم أو يُسمع منهم على أنه الواقع المثالي ، وهذا ما يتوجب فعله أو تركه ، واستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) الحديث .

أما بالنسبة لإبنتي الغالية فقد أهديتها نسخةً من مقالي هذا معتذرا وقلت لها أن تقرأه قبل الجميع ، و ذلك لتعلم أنني أخطأت وأنني لو كنت أنا غشاشاً فهي لم تغش .

وأختم بقول الشاعر:
لا تنه عن خلقٍ وتاتيَ مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم