خفت أن أغادر



تتوالى الليالي والأيام ، وتتوالى السنين ، ومراحل العمر تضرب بمطرقتها سندان متطلبات العصر ،محاولةً منا للحاق بأبجديات الحياة، ما بين النجاح والفشل جرأة؛ كما بين الجنون والعبقرية مجرد شعرة.

نفوسنا تواقة للنجاح وسباقنا للأفضل والأجمل، متحملين أو متجاهلين عقبات الحياة ، كطفل التحق بصعوبات التعلم أو طفل آخر موهوب ، محاولين الانتقال للمرحلة التعليمية التالية، نتعلم ونطبق أو نخالف علمنا رغبة في التكبر وفرض وجهة النظر ، وتستمر الحياة، الإلهام يأتي من الذكريات ومن تجارب الحياة ، والكل منا يبحث عن النجاة ، ولكنني بحثت ذات يوم عن نجاة من نوع آخر … .

في يوم من الأيام اجتمعت مع مجموعة من البشر ليسوا أقاربي من العائلة وليسوا من أصحابي المقربين أو زملائي بالعمل، واجتمعنا لغرض زرع الأمل ، محاولة لزرع المحبة وطرداً للملل، ولن أقول باءت المحاولة بالفشل ، ولكن إليكم ما قد حصل ،واعتذر على سجع الجمل،
تقابلنا جميعاً وكانت الابتسامات تعلو الوجوه، وكلاً يسأل الآخر عن إنجازاته الدنيوية ويستطرد السائل سؤاله عن أخبار الشخص الآخر وأبناءه ووالديه بل وربما جيرانه أحياناً ولا غرابة في السؤال، الغريب أن الحاضرين بعد تناول ذلك العشاء الفاخر بدءوا في الانصراف واحدا تلو الآخر وهذا شي طبيعي فلن يبقوا إلى منصف الليل أو ساعات السحر خصوصا كبار السن أو من لديهم عمل في الصباح الباكر، وكان كلما غادر شخص بدأ الآخرين في استقصاء أحواله وتقييم شخصيته وشخصية أبناءه والتنويه على قليل من الفضائح والعيوب المتعلقة به، وقلت في نفسي ربما هذا الشخص -لعدم معرفتي التامة به – له مواقف غير جيدة مع بقية الحاضرين ، ولكن التقييمات استمرت مع الذي غادر بعده وكذلك الذي يليه وأغلبها عن مساؤهم وان كانت من الماضي البعيد، منها ما هو حقيقي ومنها ما هو كذب وانما تشفياً وكيداً لحقد تضمره القلوب السوداء ، الى ان لم يتبق سوى رئيس المقيمين -مجازا- وشخص اخر وجنابي الكريم ، خفت ان اغادر للحظة ، فمن منا ليس لديه عيوب ، ولا يهمني ان اغتابوني ولكن خوفي ان يبهتوني كمن سبق، فكان لابد ان اقول لهم قولا لبق، فقلت ساغادر وعفا الله عنكم مسبقاً، فقالوا وعفا عنك ولكن لم تعفو عنا؟ فقلت لانني اعلم انني ساغادر وتنالونني بالسنتكم فعفوت عنكم ولكنه ليس ضعفاً، ولكن لعلمي ان انتقاص الناس وتتبع عثراتهم لن يجعل منكم عظماء ولن يرفع وضيعاً من مكانه ولسان حالي يقول:

لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ
فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ
وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً
فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ