المسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية ..
الكاتبة | مودة الصبحي
لا يزال كثير من الناس يفتقرون إلى الوعي بوقوع الخطأ الطبي أو إمكانية التعويض عنه، ومن المؤسف أن بعض ضحايا الأخطاء الطبية يتقبل بإن الخطأ الطبي قضاء وقدر ولا ينبغي الإعتراض عليه، والنتيجة ضياع حقوقهم.
الأطباء بشر يخطئون ويصيبون، والأخطاء الطبية مازالت تحدث في جميع دول العالم، كما كشف معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة عن وفاة شخص كل 13 ثانية في مختلف أنحاء العالم نتيجة الأخطاء الطبية، بما يعادل وفاة 2,6 ملیون شخص كان بالإمكان إنقاذھم، وتطالعنا وسائل الإعلام بين الفينة والأخرى بقصص مفجعة من المتضررين أو ذويهم.
لذا سأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على طبيعة الإلتزام الطبي، والمقصود بالأخطاء الطبية، والمسؤولية الناتجة عنها.
إن حفظ نفس الإنسان وسلامة جسده، مقصد لا يختلف أحد من البشر في أهميته، وضرورة من الضروريات الخمس التي أوجبت الشريعة الإسلامية وأكدت على المحافظة عليها.
وفي المملكة العربية السعودية أحاط المنظم من خلال نظام مزاولة المهن الصحية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ ٥٩ وتاريخ ٤/ ١١ / ١٤٢٦هـ الممارس الصحي بجملة من الحقوق التي تضمن حقه في معالجة مرضاه في جو من الثقة والأمان، وفي المقابل أوجب عليه واجبات وألزمه بها، في سبيل حماية المرضى من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها أحد مزاولي المهن الصحية.
طبيعة الالتزام الطبي:
بينت المادة السادسة والعشرون من نظام مزاولة المهن الصحية السعودي أن طبيعة التزام الممارس الصحي الخاضع لهذا النظام هو التزام ببذل عناية يقظة تتفق مع الأصول العلمية المتعارف عليها، ومن هنا فالطبیب مطالب ببذل جهوده الصادقة والمخلصة لمريضه في سبيل الوصول لشفائه دون التزام منه بتحقيق هذا الشفاء.
وإذا كانت القاعدة العامة هي التزام الطبيب ببذل العناية، إلا أنه في حالات استثنائية يقع على عاتق الطبيب التزام محدد بتحقيق نتيجة تتمثل في سلامة المريض، قد تأتي بموجب شرط في العقد، أو بناء على طبيعة الأداء الذي يقدمه الطبيب لمريضه مثل إلتزام الطبيب بنقل دم للمريض إذا اقتضت حالته الصحية ذلك، فإن إلتزامه بنقل دم نقي خالي من الميكروبات والجراثيم ومتوافق مع فصيلة دمه هو إلتزام بتحقيق نتيجة، ولا يعفى من المسؤولية إذا تحقق العكس؛ إلا بإثبات قيام السبب الأجنبي الذي لا يد له فيه.
المقصود بالأخطاء الطبية:
ويعرف الخطأ الطبي من الناحية القانونية بأنه: كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه على القواعد والأصول الطبية التي يقضي بها العلم، وقد يكون الخطأ فنيًا أو مهنيًا.
وقد أورد نظام مزاولة المهن الصحية في المادة السابعة والعشرون منه بعض الحالات التي تعد من قبيل الخطأ الطبي فنص على: «كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه بالتعويض، وتحدد (الهيئة الصحية الشرعية) المنصوص عليها في هذا النظام مقدار هذا التعويض، ويعد من قبيل الخطأ المهني الصحي ما يأتي:
1 – الخطأ في العلاج، أو نقص المتابعة.
2 – الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها.
3 – إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك.
4 – إجراء التجارب أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض.
5 – إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار.
6 – استخدام آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها، أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال.
7 – التقصير في الرقابة والإشراف .
8 – عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به.
ويقع باطلًا كل شرط يتضمن تحديد أو إعفاء الممارس الصحي من المسؤولية.
ويكون إثبات ارتكاب الطبيب للخطأ الطبي على من لحقه الضرر الطبي أو ورثته بكافة وسائل الإثبات شريطة وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.
ماذا بعد حدوث الخطأ الطبي؟
إذا تحقق الخطأ الطبي، فإنه ينتج عن ذلك قيام المسؤولية على الطبيب، وهذه المسؤولية تنقسم إلى ثلاثة أنواع وهي:
أولًا: المسؤولية المدنية :
إذا ارتكب الطبيب أي خطأ طبي ونتج عنه ضرر للمريض، فإنه يحق للمريض رفع دعوى تعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء هذا الخطأ، ويلتزم الطبيب بجبر الضرر عن طريق التعويض المادي الذي تقدره الجهة المختصة، مع العلم بأن الدية أو الإرث محددة بمفاهيم شرعية.
ثانيًا: المسؤولية الجزائية :
وتقوم المسؤولية الجزائية على الطبيب عند ارتكابه أحد الأفعال التي يحظرها النظام، مثل جريمة الإجهاض غير المشروع، وجريمة الامتناع عن علاج المريض في الحالات الطارئة، وغيرها.
وقد نصت المادة الثامنة والعشرون على أنه مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أنظمة أخرى، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب أحد الأفعال التي يحظرها النظام، وأذكر منها على سبيل المثال، الامتناع عن علاج مريض دون سبب مقبول.
ثالثًا: المسؤولية التأديبية :
وهي المساءلة عن إخلال الطبيب بسلوكه المهني الذي نصت عليه أخلاق وآداب المهنة.
ونصت عليها المادة الحادية والثلاثون: «مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية أو المدنية، يكون الممارس الصحي محلاً للمساءلة التأديبية، إذا أخل بأحد واجباته المنصوص عليها في هذا النظام، أو خالف أصول مهنته، أو كان في تصرفه ما يعد خروجًا على مقتضيات مهنته أو آدابها”.
والعقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها في حالة المخالفات المهنية هي:
1 – الإنذار.
2 – غرامة مالية لا تتجاوز عشرة آلاف ريال.
3 – إلغاء الترخيص بمزاولة المهنة الصحية وشطب الاسم من سجل المرخص لهم.
وفي حالة إلغاء الترخيص لا يجوز التقدم بطلب ترخيص جديد إلا بعد انقضاء سنتين على الأقل من تاريخ صدور قرار الإلغاء. (المادة ٣٢)
وفي هذا السياق صدرت موافقة المجلس الأعلى للقضاء في جلسته المنعقدة بتاريخ ١٤٤٢/٧/٥هـ على نقل اختصاص الهيئات الصحية الشرعية، في وزارة الصحة إلى دوائر متخصصة محكمة الاستئناف والمحكمة العامة، وتخصيص قضاة لها بناءً على الكفاءة القضائية والتأهيل العلمي والخبرة العملية؛ آملين أن يشكل هذا القرار نقلة إيجابية في معالجة قضايا الأخطاء المهنية الصحية.