المعارك الفلسطينيَّة .. مَنْ يختارها؟!!
عبدالمحسن محمد الحارثي
هُناك حِكمة صينيَّة قديمة ، تقول: “أنَّ أفضل معاركنا هي المعارك التي لم نَخُضْها “في إشارة واضحة إلى أنَّ تحقيق النصر دون مواجهات أو خسائر مادية أو معنوية ؛ هو الأفضل!!
هناك معارك يجب أنْ نتفادى الدخول فيها ، وهي مثل هذه المعارك الفلسطينية التي تستهلك جُزءاً كبيراً من طاقاتهم وتشغلهم عن معارك أُخرى أكثر أهميةً ، بل تزيد من عدد أعدائهم دون الوصول في النهاية إلى نتائج ذات قيمة ، وإنَّما مزيد من الدمار ، القتل ، التأخُّر ، وأنَّ الفكر المسيطر هو الحديد والنار وكأنَّهُم سيُحررون فلسطين بهذا الفكر المُغلق ، الذي استنزف الطاقات وأهلك الحرث والنسل ، وأوجد الذرائع للمحتل .
إلى متى وعقول المقاومة العسكريَّة الفلسطينية لم تتعدَّ أفواه البندقية ، ولم تُحرِّر شِبراً واحداً ، وإنَّما هي ضرب من المعارك غير محسوبة ولا محسومة ، وليستْ ذات قيمة ، أفسدت على الفلسطينيين حياتهم وأبعدتهم عن تحقيق أهداف سامية .
هذه المعارك التي تُطالعنا بين الحين والآخر ، هي : جُملة اعتراضيَّة ، لها أهدافها المدسوسة ، واستراتجيتها المسمومة ، أدخلتْ شعبها في معارك غير ضروريَّة الآن ، بل ليست منطقيٍّة ، جعلوها بـ “ أُمهات المعارك” تستنزف مواردهم ، وتسلب مقدَّرات شعبهم ، وتُعطي للآخرين -من المتربصين – فُرصاً لاستغلالها وتقرير مصيرها .
ولأنَّ مثل هذه الحروب ليس لها أهداف سامية أو جوهرية ؛ فإنهُ يتم“ تفصيل” أهداف وشعارات تتناسب مع حجمها ، وذلك لتعليل الدخول فيها وتبريرها ، والحصول على تعاطف الآخرين معها.
الفلسطينيون لم يشربوا من كأس واحدة .. لذا تعددت مشاربهم ، واختلفت أهدافهم وأفكارهم ، ومن يدعو إلى المواجهة ولم يتعدَّ عُمْق فكره أسطر المواجهة ؛ كانتْ مكتسباته مزيداً من التهوُّر الأرعن ، حتَّى لو نجح في بعض الأفكار الحربيَّة التي لن تزيدهم سوى تخلُّفاً وضعفاً.
أعجبني مقولة للشاعر والروائي اليوناني ما قبل الميلاد “ يوريبيديس” يقول ( إنَّ أفضل وأسلم ما يُمكن أنْ نفعله ؛ هو أنْ نُحافظ على التوازن في حياتنا ، وأنْ نعي دور القوى العُظمى من حولنا وفي أنفسنا .. إذا كان في إمكانك فعل ذلك والعيش بهذهِ الطريقة ؛ فإنَّك حقًّاً إنسان حكيم ).