القلم أمانة.. فكن عادلاً فيما تكتب

إبراهيم العنزي 

في عالم الإدارة والقيادة، لا يكمن النجاح فقط في اتخاذ القرارات أو إدارة الفرق، بل في القدرة على التحلي بالعدل والإنصاف عند تقييم الآخرين.

يُعد إعداد التقارير من المهام الجوهرية لأي مسؤول أو قائد، فهو ليس مجرد سطور تُكتب لتُملأ أوراق رسمية، بل هو انعكاس لضمير القائد ومرآة لعدالته. إن القلم الذي يحمله المسؤول ليس أداة للكتابة فقط، بل هو أمانة ثقيلة تتطلب نزاهة وموضوعية، لأن وراء كل تقرير مصير شخص، وكرامة إنسان، وفرصة لمستقبل أفضل.

العدالة في التقارير مسؤولية لا تقبل التهاون:
عندما يُكلف القائد أو المدير بإعداد تقارير عن موظفيه أو العاملين تحت إدارته في أي مؤسسة حكومية أو خاصة، فإنه لا يتعامل مع أرقام أو بيانات مجردة، بل مع جهود وأتعاب أشخاص بذلوا وقتهم وطاقتهم في أداء واجباتهم. هؤلاء الموظفون ينتظرون التقدير العادل الذي يعكس جهدهم الحقيقي ويحفزهم على الاستمرار.

ورغم أن معظم القادة والمسؤولين يدركون أهمية هذه الأمانة، إلا أن هناك قلّة قليلة لا يراعون ما يكتبونه في تقاريرهم. هذه الفئة، رغم صِغَر عددها، تترك أثراً سلبياً يتجاوز مجرد كلمات على ورق، لأنه يمس أرواحاً وطموحات قد تذهب أدراج الرياح بسبب تقرير غير منصف أو حكم جائر.

“أعطِ كل ذي حق حقه”:
هذه القاعدة الذهبية يجب أن تكون نبراس كل مسؤول في أي مستوى وظيفي. فالتقارير العادلة تُحفز المتميزين للاستمرار، وتشجع المقصرين على تحسين أدائهم دون الشعور بالظلم أو الإحباط. أما حين يتسلل النقص أو البهتان إلى هذه السطور، فإنه يقتل الطموح ويضعف روح الفريق، لأن العدالة هي أساس النجاح والاستمرارية.

لماذا يجب أن يتحلى القائد بالنزاهة في تقاريره؟

1. حماية حقوق العاملين: التقرير العادل يضمن أن كل موظف يحصل على التقدير الذي يستحقه، سواء كان في إدارة عليا أو في أدنى السلم الوظيفي.

2. تعزيز بيئة العمل الصحية: العدالة تخلق بيئة مليئة بالثقة، حيث يشعر الجميع أن جهدهم محل تقدير دون تحيّز أو محاباة.

3. رفع كفاءة المؤسسات: عندما يُقدر العمل الجاد بإنصاف، يتحفز الجميع للعطاء أكثر، مما يرفع من مستوى الأداء العام في المؤسسات الحكومية والخاصة.

4. انعكاس لصورة القائد: التقرير يعكس أخلاق كاتبه قبل أن يقيم أداء الآخرين، فهو شهادة على نزاهته وقدرته على القيادة العادلة.

العاملون تحت إدارتك ليسوا مجرد أرقام:
تذكر دائمًا أن كل سطر تكتبه في تقارير الأداء قد يؤثر بشكل مباشر على حياة الموظف المهنية، مثل الترقيات أو التنقلات أو حتى استمرار الوظيفة. فالتقارير ليست مجرد أوراق تُرفع إلى الإدارات العليا، بل هي وثائق تحدد مسارات مهنية وتفتح أو تغلق أبواب الفرص. لذلك، يجب على كل مسؤول أن يتعامل مع هذه المهمة بضمير حي وعدالة تامة.

أمانة القلم:
القلم قد يكون سبباً في بناء مستقبل مشرق أو هدم طموحات بريئة. لذا على كل مسؤول أن يتذكر أن ما يكتبه ليس مجرد حبر على ورق، بل هو أمانة يُحاسب عليها أمام الله وأمام ضميره وأمام مجتمعه. ورغم أن القادة العادلين هم الغالبية، إلا أن القلّة التي تفرط في هذه الأمانة تُحدث شروخاً عميقة لا تُداوى بسهولة. لذا، يجب أن يبقى الضمير الحي هو البوصلة التي توجه كل مسؤول أثناء كتابة أي تقرير.

ختاماً القيادة الحقيقية لا تكمن في إصدار الأوامر أو الجلوس على الكراسي الفخمة، بل في تحمل المسؤولية بصدق وعدل. والكراسي مهما علت فهي زائلة، والمناصب مهما دامت فهي مؤقتة، لكن الأثر الذي يتركه القائد العادل في نفوس من حوله هو الباقي.

كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (سورة النساء: 135)

لذا، ليكن شعار كل مسؤول:
“اكتب بعدل، واحكم بضمير، واذكر أن القلم أمانة .