حين يُختبر الوفاء في عزّ الغياب
إبراهيم العنزي
في زوايا الحياة التي لا تُرى، تسكن تفاصيل لا تُحكى، وأسرار لا تُفهم إلا حين يتألم القلب بصمت. هناك لحظات لا تُقاس بالزمن، بل بثقلها على الروح، حين لا يعود للظل من يستند إليه، ولا للصوت من يسمعه بنبض المحبة.
يمرّ الإنسان بمرحلة لا يطلب فيها الكثير، فقط تفسيرًا لصمته، أو احتواءً لضعفه، أو فهمًا لنواياه التي تاهت بين سوء الظن وسوء الفهم. يقدّم التنازلات باسم الحكمة، ويتحدث بحسن نية باسم السلام، لكنه يُرمى بشكٍ لا يشبهه، ويُتّهم بجفاف لا يعكس قلبه.
المؤلم في العلاقات ليس القطيعة الظاهرة، بل الصمت الذي يسبقها، الجُرح الذي يصنعه القريب حين يغدو غريبًا، والمواقف التي تتحول إلى أدوات للمنّ، كأن الرفقة لا تكتمل إلا بثمن، وكأن العطاء لا يُعترف به إلا حين يُدوَّن كفاتورة.
إنها لحظات تعلّمك أن بعض الوجوه التي كنت تراها سكنًا، ليست سوى محطات مؤقتة. وأن الطيبة الزائدة، حين لا تجد من يقدّرها، تتحول إلى عبء على صاحبها. كم من مرة حاول البعض أن يُراعي كل الأطراف، ففقد نفسه في الزحام؟ وكم من مرة أُسيء تفسير الصبر على أنه ضعف، والنية الصافية على أنها مصلحة؟
المؤلم ليس في أنك أعطيت، بل في أن من أخذ ظن أن ما وصل إليه كان حقًا مكتسبًا، لا معروفًا مُهدى. والمؤسف، أن بعضهم لا يتذكرون خيرك إلا إذا انقطع، ولا يشعرون بوجودك إلا إذا غبت.
لكن، رغم كل ذلك، هناك نور لا ينطفئ في قلب من عرف الصدق، حتى وإن خذله القريب. فالقيمة الحقيقية لا تُقاس بما قيل فينا، بل بما لم نندم على فعله رغم كل شيء. لأننا لم نعطِ لنتفاخر، ولم نصمت لنهرب، بل لأننا نعرف جيدًا أن الكبار لا يصنعون الضجيج حين يُخذلون.
ونصيحة من قلب التجربة:
حين تتقلّب الأيام وتغيب الأركان الثابتة من الحياة، يبقى الرابط الحقيقي هو ما صنعته القلوب لا الألقاب. فلتكنوا سكنًا لا عبئًا، وملجأ لا ساحة خصام. تذكّروا أن الرحيل لا يستأذن، وأن الأمان لا يُشترى، وأن من بقي منكم للآخر هو آخر ما تبقى من الدفء القديم… فلا تهدروه .




كتبت ما أحدّث به نفسي … لا فض فوك
مبدع دائمًا استاذ ابراهيم
كلام جميل جدا في الصميم