دمشق إلى موسكو لا لتقبيل اليد .. بل لقطع الطريق



د. سهام سوقية

زيارة الشيباني إلى موسكو ليست استسلام بل تثبيت لمعادلة جديدة وليست تنازلاً بل جسر ضروري على نار باردة في توقيت لا ترف للخيارات فيه .. لا بد من اللعب بأوراق الواقع لا أوراق التمني .

حين وصل وزير الخارجية السوري السيد أسعد الشيباني إلى موسكو قبل أيام إلى موسكو لم يكن في حقيبته ( ورقة بيضاء ) لإعادة إنتاج التحالف السابق الذي كان يدور حول بشار الأسد  بل جاء ليطرح علاقة من نوع مختلف أقل عاطفية – أكثر عقلانية – وأكثر تحفظاً – وليقطع عليهم الطريق فالقيادة السورية الجديدة التي ورثت بلاداً أنهكها ما مرت به تعرف تماماً أن روسيا ليست حليف مجاني وتدرك أن الرهان على موسكو لا يُبنى على الثقة بل على الضرورة .

اذا لماذا زار الشيباني روسيا الآن ؟

1- لجم فلول النظام البائد السابق مبكراً

فرغم ما حدث ما زالت بعض الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق تتحرك دولياً .. وبطرق متعددة وتحاول التسلل من بوابات كثيرة و أحدها روسيا مدفوعة بوهم أن موسكو ما زالت تراهم أوراقاً صالحة لهذا جاءت زيارة الشيباني لتغلق هذه البوابة برسالة مباشرة وكأنه يقول لمن يعيش وهم إعادة الماضي ونشر الفوضى.

روسيا لن تكون منصة لانبعاث بقايا النظام ولا منصة لتدوير بشار من جديد لذلك تعتبر هذه الزيارة معركة استباقية لشرعية سوريا الجديدة.

2 – تحصين الموقف السوري دولياً

مهما اختلفنا مع موسكو يبقى الفيتو الروسي في مجلس الأمن سلاح واقعي ضد مشاريع دولية قد تهدف إلى إعادة إنتاج “حلول مفخخة” تُفرغ المرحلة الانتقالية من مضمونها وفي الوقت الراهن لا يمكن لسوريا أن تدخل هذه المرحلة وهي عارية من أي غطاء دولي وروسيا بحكم موقعها الجيوسياسي تملك هذا الغطاء ولو بحدوده الدنيا وهذا لايعتبر طلب مساعدة بل إغلاق باب أخر بطريقة سورية ذكية باردة.

3 – ترتيب الملفات العالقة

من الملفات الحساسة في روسيا :

– أموال السوريين المنهوبة الموجودة في روسيا.

– أسماء مطلوبين فرّوا إلى هناك.

– نشاط سياسي وإعلامي لبعض رموز القتل السابق.

فسوريا الجديدة لا تبحث عن انتقام بل عن ضبط والسيطرة على هذه المفاصل داخل العمق الروسي تتطلب قنوات رسمية وهادئة لا شعارات وتناحرات جديدة.

4 – حماية شكل الدولة

البديل عن التفاهم مع موسكو قد يكون انكشاف سياسي وأمني في لحظة لا تحتمل المغامرات روسيا بحكم وجودها السابق  تملك مفاتيح في الداخل السوري لا يمكن تجاهلها التعاون معها لا يعني تسليم القرار بل منع الانفجار .

وهنا السؤال الأهم
هل غيرت روسيا موقفها ؟

في الحقيقة روسيا اليوم ليست روسيا 2015

– اقتصادها تحت الضغط.

– نفوذها في تراجع بسبب أوكرانيا.

– والمجتمع الدولي يُحاصرها رغم أنها استطاعت الصمود طويلاً في وجه الخناق الأوروبي ولا تريد أن تتحول دمشق إلى ممر لنفوذ غربي مناهض لها لذلك تقبلت موسكو “نسخة جديدة” من العلاقة مع الحكم السوري الجديد بشرط ألا يُعاد تأهيل الأسد نفسه بل الحفاظ على توازن يخدم مصالح الطرفين السوري و الروسي.

العلاقة السورية  الروسية اليوم تشبه غرفة مقايضات لا صداقة فيها ولا عداوة كل طرف يستفيد بحذر من الآخر فسوريا تعرف أن روسيا لا تستطيع فرض ما كانت تفرضه سابقاً وروسيا تعرف أن سوريا لم تعد تحت جناح الأسد كما كانت وبين العاطفة والعقل قد يقول البعض كيف تتحدثون عن روسيا التي قصفت أطفالنا وبيوتنا ؟؟

وهم على حق في هذا الغضب بل هو غضب مشروع ومقدس لكن السياسة لا تُبنى على العاطفة بل على موازين القوى وعلى حماية المستقبل وعلى مبدأ ادفع الشر بالشر الأقل .

إن الانفتاح المحدود على موسكو ليس تطبيعاً مع ما مضى بل إغلاقاً لأبواب قد تُعيد الماضي من نوافذ لم ننتبه لها .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating


مواضيع ذات صلة بـ دمشق إلى موسكو لا لتقبيل اليد .. بل لقطع الطريق

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الراية الإلكترونية © 2018 - 2025

تصميم شركة الفنون لتقنية المعلومات