دمشق تقلب المعادلة.. والوفد الروسي يبدد أوهام الانفصال



د. سهام سوقية 

لا تعجبني تلك التبريرات التي تقول إن سوريا ليس لديها خيارات ومجبرة على الدبلوماسية نعم.

في الفترات الأولى ربما كان هذا صحيحاً أما اليوم الوضع مختلف تماماً سوريا ليست ضعيفة ..انتهى زمن الضعف  والقوة ليست فقط بالقدرات العسكرية بل باستثمار موقعها الجيوسياسي وأوراقها الخفية لتثبيت نفوذها والتي يعرفها الغرب جيداً فوصول وفد روسي رفيع إلى دمشق اليوم لا يجب أن يقرأ كمشهد استسلام أو تبعية مطلقة .

الزيارة جاءت في سياق واقع سياسي جديد : نظام بشار الأسد سقط والقيادة الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع تقود مرحلة انتقالية أعادت تعريف مصالح اللاعبين في المنطقة وروسيا لم يعد يهمها الأسد ..بل مصالحها مع سوريا الجديدة

 لماذا هذا يقلب المعادلة لصالح دمشق ؟

أولاً : روسيا تأتي لطلب شراكة – لا لفرض وصاية .

الوفد الروسي الذي زار دمشق بحث ملفات اقتصادية وأمنية مؤشر أن موسكو تتعامل الآن مع دمشق كشريك وروسيا نفسها لم تعد كما كانت:

-حرب أوكرانيا أنهكتها عسكرياً واقتصادياً.

– العقوبات الغربية تخنقها.

– عزلتها السياسية تجعلها تبحث عن منافذ تنفس جديدة.

– موسكو التي كانت تتعامل سابقاً من موقع القوة باتت اليوم بحاجة إلى شركاء لتثبيت وجودها وإعادة بناء حضورها في المنطقة في هذا السياق تظهر ( سوريا كلاعب لا يمكن تجاوزه ) .

– موقعها الجغرافي يجعلها عقدة ربط إقليمية من المتوسط إلى الخليج ومن تركيا إلى العراق.

– صمودها السياسي بعد ثلاثة عشر عاماً من حرب عالمية مصغرة منحها شرعية جديدة.

– إلى جانب ذلك تمتلك دمشق أوراق ضغط مؤثرة : منها ملف اللاجئين ، بوابات التجارة ، موارد الطاقة شرق المتوسط والقدرة على تعطيل أو تسهيل أي مشروع إقليمي .

فمن مصلحة روسيا التقرب من دمشق فروسيا تبحث عن موطئ قدم استراتيجي بذلك قواعدها العسكرية وبهذا هي تحتاج ضمان التعاون مع القيادة السورية الجديدة دون مواجهة الواقع الجديد .

حتى أوروبا التي حاولت سابقاً فرض شروط سياسية واقتصادية على دمشق اليوم تجد نفسها أمام واقع جديد.

سوريا لا تنتظر الإملاءات ولا تراهن على دعم خارجي لإعادة ترتيب أوراقها

دمشق تتصرف وفق مصالحها الوطنية

ثانياً : دمشق تملك « قوة خفية » لا تقاس بالدبابات القوة الحالية لسوريا ليست مجرد قوة نارية ظاهرة بل أوراق تأثير عملية :

– موقع جغرافي يجعلها مفتاحاً في أي توازن إقليمي.

– شرعية دخولها طاولة التسوية بعد سقوط النظام السابق.

– قدرة على إدارة ملفات اللاجئين والحدود والطاقة والتجارة.

– إمكانية تعطيل أو تسهيل أي مشروع إقليمي من إعادة الإعمار إلى سلاسل الإمداد.

– هذه الأوراق تمنح دمشق هامش مناورة دبلوماسية قد لا يراه من يقرأ المشهد بعين القوة العسكرية وحدها.

ثالثاً: ماذا عن : عودة الأسد أو إعادة تدويره ؟؟
أحلام الفلول والانفصاليين تبخرت تماماً فمن كان لديه بصيص أمل ولو بحجم خرم إبرة .. فقد انتهى فالأسد لم يعد ورقة رابحة لموسكو بل عبئاً سياسياً تتعامل معه كجزء من الماضي فيما تنظر إلى مستقبلها مع سوريا الجديدة معتبرة أن الأسد انتهى وخروجه أصبح حقيقة سياسية راسخة .

من هنا :
الرسالة التي يجب أن تصل للجميع بوضوح : ( أن دمشق قلبت المعادلة عملياً ) فزيارة الوفد الروسي ليست فرض وصاية بل طلب شراكة فسوريا لم تعد ضعيفة .

قد لا تمتلك اليوم قوة عسكرية ضخمة لكنها تتحرك بذكاء سياسي وتستثمر موقعها الجيوسياسي أما روسيا بزيارتها إلى دمشق تكشف أنها بحاجة لسوريا أكثر مما تحتاج دمشق لموسكو وموسكو تدرك أن أي حضور استراتيجي لها في الشرق الأوسط يمر عبر دمشق وأن المرحلة الانتقالية السورية أصبحت مدخلاً إجبارياً لأي تسوية أو مشروع لذلك روسيا هي من تبادر اليوم للحفاظ على هذه العلاقة وهي من تسعى لتأمين مصالحها عبر التعاون مع القيادة السورية الجديدة وبهذا تنقلب المعادلة .

سوريا لم تعد الحلقة الأضعف بل لاعب أساسي يفرض نفسه في المعادلة الإقليمية والدولية الجديدة دمشق الآن بامتلاك قيادة جديدة وأوراق ضغط متعددة مهم لها استثمار كل ورقة قوة خفية لكتابة معادلة جديدة مع روسيا وباقي اللاعبين ..وهذا لصالح سيادة ومصلحة سوريا .

دمشق اليوم ليست تابعاً بل لاعباً يفرض نفسه ومعادلة القوة في المنطقة
( لن تكتب من دونها ) .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating


مواضيع ذات صلة بـ دمشق تقلب المعادلة.. والوفد الروسي يبدد أوهام الانفصال

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الراية الإلكترونية © 2018 - 2025

تصميم شركة الفنون لتقنية المعلومات