أبناؤُنا والتربية



بقلم/ نمشة البيشي

القدوة في التربية من أنجح الوسائل المؤثرة في إعداد الأبناء خُلقيًا، وتكوينهم نفسيًا واجتماعيًا ذلك لأن المربي هو المثل الأعلى في نظر أبناءه والأسوة الصالحة.

يقلد قدوته سلوكيًا ويحاكيه خُلقيًا من حيث يشعر أو لا يشعر، بل ينطبع في نفسه وإحساسه صورته القولية والفعلية والحسية والمعنوية لا إراديًا ومن هنا نرى القدوة عاملًا كبيرًا في صلاح الأبناء أو فسادهم.

التربية عملية تفاعلية لا ينفع فيها مجرد التلقين أو تقبل طرف من الأطراف لما يلقى عليه ويؤمر به دون فهم ورضا وقناعة؛ ووعي وذكاء، إنما هي عملية إلى الترويض أقرب ولا يكون نتاجها شخصيات إنسانية ذكية واعية متكاملة، والمتربي لا يتفاعل فقط مع مربيه وإنما يتفاعل أيضًا مع بيئته وما فيها، ويتفاعل مع بيئته الاجتماعية والطبيعية والاقتصادية وما إلى ذلك من أنواع البيئات؛ أما حين يكون المُتربي منفعلاً غير فاعل فإنه في الأعم لا تنمو شخصيته ولا تتسع آفاقه العقلية ولا تتهذب عاطفته ولا تصلُح أعماله.

نحن نحتاج إلى التوازن في اتخاذ قراراتنا داخل الأسرة؛ حيث أن من المشاهد بكثرة مماطلة بعض الآباء والأمهات في اتخاذ قرارات كثيرة، يلحّ عليها الأبناء؛ أبناء يطالبون أباءهم بتخصيص مصروف شهري لكل واحد منهم، بنت تُطالب أباها بشراء حاسب آلي… والموقف دائمًا هو التأجيل والقول إن شاء الله، في المقابل نجد آباء عطوفين مشفقين لا يكاد الولد يطلب شيئًا حتى يسارعوا إلى تلبيته، وهم يُعدون ذلك من كرمهم ومروءتهم ومن اهتمامهم بأبنائهم، لكن كثيرًا ما يكتشفون بعد مدة أنهم تسرعوا في ذلك، وفتحوا شهية الأبناء على مزيد من الطلبات.
الموقف المتوازن لا يتجسد في الاستعجال، ولا في التسويف ولكن في دراسة الطلب على نحو جاد على انفراد، أو مع الأسرة ولا بأس بأن يكون الجواب بعد شهرٍ من الآن ستسمعون ما الذي سنفعله. والمهم ألا يشعر الأولاد بإهمال أبويهم لهم ولطلباتهم والمهم أيضًا الوفاء بالوعد الذي سمعوه وأخذوه.

وتربية الأبناء تربيةٌ عمليةٌ وليست نظريةً فهي حقيقة واقعية. لأننا مطالبون بمواجهة التحديات بتربيةٍ مُتوازنةٍ صحيحة. لذا فما يمتاز به الوالدان من صفاتٍ، لها أبعدُ الأثر على الأبناء كالتفاؤل والثقة بالنفس. فسلوك الوالدين يجب أن يكون وسطاً معتدلاً في كل شي.

من خطوات تعديل السلوك وتقبل الخطأ:
– اترك لنفسك دقائق قبل إصدار رد الفعل أو الحكم على الطفل الذى أخطأ، وتفكر جيدا في خطأه بشكل حسابي، بحيث تقوم بحساب الخسائر النفسية والمادية والسلوكية، ومقارنتها بالمكاسب الناتجة عن الفعل.

– اترك الطفل يوضح وجهة نظره كاملة، واسأله بشكل مباشر “ما الذى دفعك لارتكاب هذا الخطأ؟” واسمعه للنهاية.
_إياك وإصدار حكم متسرع، فالاستماع أهم خطوات التربية السليمة.
– استمع لعقلك وتذكر أنه إذا كان الخطأ يستحق العقاب فعلى الطفل أن يناله، لكن العقاب الهادف يكون عقابًا نفسيًا، وتأديبيًا فقط “كالخصام، وإشعاره بذنبه، وإشعاره بالحزن والغضب منه”.
– تقدير الخطأ ناتج عنه تقدير العقاب، لذا كن حاكمًا عادلاً ولا تجعل عصبيتك تتحكم بك.
– لا تقلل من حجم الخطأ حبَّا في ابنك، بل كن مقومًا له، واعطِ كل خطأ حقه.
– فكر في الخطأ وأسلوب ارتكابه، فقد يكون علامة على إصابة الطفل بمشكلة نفسية أو سلوكية يمكن اكتشافها وحلها مبكرًا.

إذ علينا دائمًا نحن الآباء تربية أنفسنا، وتهذيب أخلاقنا، وتصحيح مسارنا، وتثقيف عقولنا، وفتح قلوبنا وصدورنا لنسيم عليل قادم من صحراء، عبر أثير قرآني رحيم، بسلوكٍ محمدي رشيد، يحلق في صفاء ملكوت الكون الشاسع، ويسمو بنا برقي العفاف والغنى، ولنأخذ بيد أبنائنا، فلا يدٌ تحنو على طفل كيدِ والديه. ولنرمِ بالمظاهر والبهاريج الخداعة، ولنكن قدوة لأبنائنا، يكونون لنا طوعًا وذخرًا، وطريقًا إلى الجنة.