الأعراف الإجتماعية بين التشدد والتمرد



بقلم / فضة العنزي

موضوع شائك ويصعب حسم الجدال فيه فالأعراف بدء ًمن “صبة الفنجان باليمين” وحتى “نحر الفرس للضيوف “مرورا ًبما دونها من أعراف تختلف في قبول المجتمع لها ورفضه إياها .

فالبعض يُقّدسها ويغالي بإحترامها وتشبثه بها إلى درجة يجعلها ترتقي إلى أن تبلغ مبلغ الفروض الدينية ، ويتمسك بأجلها وأدقها ، ويتقّصى شاردتها وواردتها ، وينقاد خلفها انقياد الفرس المروّض المطيع ، والجمل المعسوف الأعمى .

فلا يقبل عرضها على العقل والمنطق ولا يؤمن بخضوعها لتعرية الزمن أو سريان النواميس الكونية المتجددة عليها أو أن تطالها متغيرات الحياة وعجلتها السريعة ، فهو وإن أخذ أعلى الشهادات وأعلى درجات العلم إلا أنّ عقله توقف على ما ورثه من قبيلته وإن كان سيئ .

لن أتطرق إلى إيراد امثلة كثيرة حتى لا أخدش كبرياء ذاك المتشدد المصون وأُدمي كرامته المزعومة .

في المقابل جاء البعض ممن أبدى عصيانه المطلق ورفضه التام لكل ما تربى عليه والديه وسار عليه نهجه الصالح من أبناء عمومته .

فهو يلهث خلف المدنية ويريد إنزالها بكل قشورها على مجتمعه ويتمرد على كل عُرف وقيمة اجتماعية نبيلة بمجتمعه وهذا قمة الجهل وإن نال أعلى الشهادات ايضاً وبلغ من العلم مابلغ .

وهناك الصنف المثالي الذي يتعاطى مع تلك الأعراف وأرجو ربي أن يكون أكثرهم وأوفرهم في المجتمع. هو الذي َيقدر تلك الأعراف قدرها ، ويعرضها على ميزان الشرع والعقل فيأخذ منها ماوافق الشرع ويتماشى معه، ويطرح أرضاً كل فكر خالف الشرع أو سفّه العقل. ويحترم من الأعراف ماكان محايداً لم يُقّره الشرع ولم يذمه ولايتسبب بضرر للفرد ولا يخالف مكارم الأخلاق .

فحي أهلاً وسهلاً به فلنا بمحمد” عليه السلام” أسوة حسنة حين قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، فهو عليه السلام راعى في طور تغييره لذاك المجتمع الوثني ماكانوا عليه من أعراف فأقّر منها الحسن وباركه ، واستأصل جذوة المنكر وحاربه ، ولكنّه عليه السلام وبخطاب القران تدرج حتى في تلك العادات القبيحه وراعى نفسيات أصحابها الذين تشربوها فلم يأطرهم عنها أطراً إنما أخذ “يسحب البساط من تحت أرجلهم “حتى اقتنعوا هم عنها، ووجدوا في الدين مايغنيهم ويكفيهم، ولعل تدَرج القرآن في تحريم الخمر وهو ماهو في القبح لخير مثال على العقلانية في التغيير وأنك أيها المصلح لن تستطيع بين عشية وضحاها إقناع مجتمع أخذ بعض العادات كابر عن كابر وورثها جيلاً عقب جيل .

ولنا في جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله -أُسوة حسنة حين واجه من المجتمع رفضه لتعليم البنات فلم يجبرهم إنما حاول تحفيزهم وتعزيز ما يرغبوه بمنح من يستجيب ويلحق ابنته بالتعليم بصرف أُعطيات وربط حصوله على الضمان بإلحاق أبنته بالمدرسة كشرط للحصول على المال الخاص بإسمها حتى تنادوا واقبلوا على التعليم وبالتالي تغلّبوا على الفكرة الخاطئة من حرمان المرأة من التعليم .

فالتأني والخطاب المتزن والموازنة بين المفاسد والمصالح لهو الصوت الأعلى الذي ينبغي أن يُسمع فيعزز كل عادة جميلة ويحاول بشكل أو بأخر تغيير العادات الغير مستحسنة على مراحل فتلك العادات مهما بلغت بالقبح لن تكون بحجم عادة شرب الخمر التي تدرج القرآن في تغييرها .

أحجمت ُ عن ضرب الكثير من الأمثلة لأني أعلم مدى قداسة أصحاب تلك العادات لها فإحترام لأصحاب العادة تلك تركتها، ولعلمي أني لن أحصي العادات الجميله لدى مجتمعنا أيضاً لم أتطرق لها لأن مجتمعنا ولله الحمد زاخر بأجمل العادات والتي ترقى لكونها قيم أصيله إذا أحتسبها أصحابها فستكون عبادات ترتفع بها درجاتهم .

فتحية إكبار لكل صوت ينادي بمكارم الأخلاق وألف لا لناعق المدنية المزيفة التي تصطدم مع قيم الدين والأعراف الأصيلة في مجتمعنا، وحي أهلا ً وسهلاً لكل متوسط يعرف كيف يُمحص وينقي ويفلتر كل عادة غير لائقه وطاب مجتمعنا الأصيل أنموذًجا راقياً لكل خلق إسلامي نبيل وطبتم أعزائي في ظل أعرافكم الجميله وبعز وطنكم الشامخ الأصيل مصنع الرجال ومنبت كل خلق سامي كريم .