البدايات ليست مرعبة كما نظن

ثريا الشهري
هناك لحظة تقف فيها على حافة الطريق، لا لأنك لا تعرف الاتجاه، بل لأنك تسمع ضجيجًا داخليًا يملؤك بالأسئلة: ماذا لو لم أكن كافيًا؟ ماذا لو سبقني الجميع؟ ماذا لو تعثرت في أول خطوة؟
لكن الحقيقة أن البدايات لم تكن يومًا مرعبة بقدر ما صنعناها في مخيلتنا. نحن من وضعنا حولها هالة من الخوف، ونحن من حمّلناها أكثر مما تحتمل. البداية في جوهرها مجرد خطوة، لكنها تبدو أثقل من جبل حين نثقلها بظنوننا كل ذلك بسبب القلق الدفين من المجهول.
البدايات لا تختبرنا بقدر ما تكشفنا. هي ليست لحظة لقياس الكمال، بل لحظة لمواجهة الشكوك التي نحملها عن أنفسنا. المشكلة ليست في نقص الإمكانات، بل في المبالغة في تقدير قوة الآخرين والاستخفاف بما نملك.
وقد تعلمت أن الخوف لا يزول، لكنه يتغيّر حين ننظر إليه بعين مختلفة. أن تسأل نفسك: وماذا لو كان الفشل هو ما سيقودني إلى صواب أعظم؟ ماذا لو كانت هذه المحاولة هي التي ستكشف لي ذاتي الحقيقية؟ عندها يصبح الخوف رفيقًا لا عدوًا، ويصبح الطريق أكثر رحابة مما كنت تظن.
حين نعيد صياغة السؤال يتغير المشهد. بدلًا من أن نسأل: ماذا لو فشلت؟ يمكن أن نقول: وماذا لو نجحت؟ ماذا لو كان الفشل محطة تعلّم لا أكثر؟ ماذا لو كانت التجربة نفسها هي المكسب الحقيقي؟ بهذه البساطة، يتحول الخوف من حاجز إلى وقود.
فالنجاحات الكبرى لم تولد من يقين مطلق، بل من خطوات مرتبكة انطلقت رغم الخوف. من قرروا خوض المحاولة لم يكونوا دائمًا الأذكى أو الأقوى، لكنهم كانوا الأجرأ في مواجهة البدايات.
إن أجمل ما في البدايات أنها تحمل صدق اللحظة الأولى: ارتباكها، دهشتها، وشجاعتها الصامتة. الخطوة الأولى لا تعطيك يقينًا، لكنها تمنحك شيئًا أثمن: فرصة لتعيد كتابة قصتك، بيديك أنت، لا بانتظار أحكام الآخرين.
إذن، ليست البداية مرعبة كما نعتقد، المرعب حقًا أن نؤجلها حتى نفقد شجاعتنا، أو ننتظر اللحظة المثالية التي لا تأتي أبدًا. الخطوة الأولى قد لا تمنحك ضمانًا، لكنها تمنحك فرصة، وهذه وحدها كافية لتغيّر القصة بأكملها
فلا تدع رهبة البداية تحرمك من دهشة الطريق. فما بين الخوف والأمل، يولد المعنى الحقيقي للمسير.