“تغافلوا لتسعدوا” ..



بقلم | خلود السالمي

أبدأ مقالي بقول الله تعالى { عرّف بعضه وأعرض عن بعض }حيث وردت في سياق الحادثة التي تناولتها سورة التَّحريم، وذلك في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}] قال كثيرٌ من المفسّرين، أنَّ هذا السِّياق يتعلَّقُ بأمِّ المؤمنين حفصةَ رضي الله عنها، لما (أسرَّ لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حديثًا، وأمر أن لا تُخبر بهِ أحدًا، فحدَّثت به عائشةَ رضي الله عنها، وأخبره اللهُ بذلك الخبرِ الَّذي أذاعته، فعرَّفها صلى الله عليه وسلم، ببعضِ ما قالت، وأعرضَ عن بعضه، كرمًا منه صلى الله عليه وسلم، وحِلمًا).

فالتغافل فن ومهارة لا يتقنه إلاّ الاذكياء بعدم تركيزهم على الاخطاء والزلات والهفوات الصغيرة حِلماً وإكراماً بالبعد عن سفاسف الأمور والرفق بمن حولهم لتسير الحياة على مسيرة هادئة وسعيدة ، وقلوبٍ ملتحمة على الحب والمودة والألفة، فكثرة العتب والبحث عن الاخطاء المخفية وإظهار الاخطاء أمام الجميع يسبب إفشاء ما لا يريدون إظهاره يؤدي الى التنفِّر بين القلوب، وتشيع الكَرَاهِية والبَغْضَاء. حيث قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ وقد قيل في خلق التغافل:

لَيسَ الغَبِيُّ بِسَيِّدٍ في قَومِهِ
لَكِنَّ سَيِّدَ قَومِهِ المُتَغابي

فيجب عليكم التغافل في حياتكم الزوجية وعدم الدقة والمرونه بها والتغافل عن هفوات وزلات ابنائنا وتلاميذنا واصدقائنا ، وزملاء العمل.

لأنّ التغافل حنكة تربوية تحمل بين طياتها معاني العفو والحب والتسامح وصفاء الأنفس وبها يخبو الحقد والكره والانفس المريضة، فرحم الله من تغافل لأجل بقاء ود وستر زلّة، وهذا التغافل ليس غباءً وسذاجةً بل هو عقل وحكمة، قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: “العقلُ: ثلثُه فطنةٌ، وثلثَاه تغافلٌ “.

فالتغافل يحمل معنى السماحة والعفو ولين الجانب وبه يخبو العتب ويعلو الأدب وينال به أعلى الرتب .

إن جوهر الحكمة أن يتسامح الإنسان عن أخطاء الآخرين، ويترفَّع عن صغائر الأمور وتوافهها كَرَمًا لا خوفًا، وعمدًا لا غباءً، وقصدًا لا نقصًا؛ ليقينه أن الحياة قصيرة، وأن ما يعمله الإنسان في الدنيا من خيرٍ أو شرٍّ سيجده في صحائفه، ومن أعظم مواطن التغافل قول يوسف الصديق عليه السلام: {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي}، مع أن الشيطان نزغ إخوته فقط ولم ينزغه هو، لكنها مكارم الأخلاق.

واخيراً فالتغافل لغة لا يقوم بها ولا يفهمها سوى العقول الراقية ، والقلوب الصافية ، .فأحياناً كسب القلوب أولى من كسب المواقف.
شكرا لكم.