جدلية الأدب والواقع !
ثريا الشهري
لا يخفى على أي قاريء ومثقف جدلية الأدب والواقع، وعلى أي نحو ينعكس أحدهما على الآخر ، ولا يخفى أيضا أن بين الروائي وأبطاله علاقة كانت ولاتزال مثارًا للجدل والأسئلة.
ظلت شخوص بعض الكتاب نمطية أو أسيرةً للمثالية وبعضها أسيرة لتأطير المجتمع، بينما تمردت شخوص كُتّاب الضفة الأخرى من المشهد، وتنوعت بين الشخوص الواقعية التي تحمل بشريتها بجميع جوانبها المضيئة والمظلمة.. وبين شخوص الفانتازيا والأبطال الخارقين أو حتى على غرار قصص ألف ليلة وليلة وشخوصها المنوعة بين البشر والجن.
يقول أرسطو أن الارض هي من تعلمنا التراجيديا .. ونقصد بذلك إذا أسقطناه على مجال الأدب والرواية وعلاقتها بالكاتب .. أن ماينتجه الكاتب يكون ثمرة ماعايشه.
وأيضا يقول الكاتب العراقي زهير كريم أنه على الرغم من محاولة الكاتب التواري من أجل اقصاء ذاته الحقيقية بعيدًا عن النص .. إلا أن ذلك لن يتحقق أبدًا وسيستمر شيء منه في الظهور في شخصياته .
ولا نستطيع بعد قراءة بعض الروايات إلا أن نتساءل هل الكاتب هو من يفرض سلطته دائما على شخوصه، أو هي من تفرض سطوتها عليه وتتحرر من إرادته ؟
يصرح الكاتب عثمان بن حمد أبا الخيل : “كل إنسان في هذه الحياة لديه معاناة يشعر بها وتعيش معه ربما زمنًا طويلاً، معاناتي الشخصية في كتابة الرواية ليست معاناة في السرد أو الأحداث والشخوص والأمكنة أو الحبكة، هي معاناة إنسانية ونفسية مع شخوص الرواية.”
ويقول الكاتب والصحفي الإسباني مانويل فاسكيث مونتالبان: ‘نحن عبيد شخصياتنا’
وقد أعادني ذلك إلى ما أكده عدد من الروائيين أن الكثير من الأفلام التي تم تحويلها لم ترتقي لمستوى الجودة التي كُتبت بها رواياتها الأصلية، بسبب العلاقة الحميمة بين الروائي والكاتب في الرواية، وقدرة الكاتب على وصف الشخصية النابع من كونها جزء منه وإسقاط من إسقاطاته النفسية وتجاربه الحياتية، فتجربة القراءة التي تختلف من شخص لآخر، تجعل للرواية عمق شعوري أقوى، بالمقارنة مع الأعمال المرئية التي يستقبلها كل الجمهور بالقدر نفسه.
وهذا يقودنا إلى أن الكاتب عندما يكتب فهو يكتب شعوريا او لا شعوريا عن سماته النفسية التي يريد إظهارها أو التي يرفضها ولا يحب وجودها كصفه من صفاته وبالتالي ينعكس ذلك على شخصياته وتكون هنا الرواية كالاختبار الإسقاطي مثل : اختبار بقعة الحبر للعالم النفساني رورشاخ، ولكن مع ملاحظة أن الروائي بقدر ما يكتب عن ذاته من خلال أبطال روايته، فإنه قد يكتب عما كان يتمنى أن يكونه لكنه لم يستطع تحقيق ذلك فقد يكون بطل الرواية تاجرًا كبيرًا تعويضاً عن حلم الروائي الذي لم يحققه في أن يصبح تاجرًا .. وقد تكون بطلة رواية الكاتب انعكاسًاً لحلمه لنوع معين من النساء لم يتحقق له في الواقع؛ ينطبق ذلك على الكتّاب والكاتبات على حدٍ سواء، وعلى ماسبق نستطيع أن نرى كيف يكون للروائيين والروائيات هذا التشعب الكبير في وصف علاقتهم بشخوص رواياتهم وهل هم نتاج دواخلهم؟ ام خلقوها من مخيلتهم ؟وهل هم المسيطرين عليهم ام العكس.
ولا ننسى أنّ بعض الشخصيّات الروائيّة عاشت وأثبتت جدارتها وأصبح لها حضور يتفوّق على حضور الروائيين الذين خلقوها.
ماشاء الله على فخامة الطرح وعمق المعنى مبدعه دائماً .
ابدعتي في الطرح أ ثريا
مقالكِ أشبه بلوحة أدبية رسمتِها بريشة فكرٍ ناضجٍ ووعيٍ عميق، لامستِ ببراعة جوهر العلاقة الجدلية بين الواقع والأدب، وكشفتِ كيف يذوب الكاتب في نصه، فتتحول الكلمات إلى مرآة تعكس روحه وهواجسه.
أسلوبكِ متين ومفرداتكِ تحمل عمقًا فلسفيًا يجعل القارئ يغوص بين السطور، متأملًا تلك المنطقة الضبابية بين الخيال والحقيقة، نصٌ يحمل بين طياته فكرًا يُحاور العقل وجمالًا يُلامس الروح. بانتظار المزيد من إبداعكِ ثُريا🤍
سطور نالت الإعجاب برقي هذا الطرح وهذا سَّــر إبداعك وذائقتك المتميزة
ب التوفيق ثريا .