أهم الاخبار


مستودع الذكريات .. “ملفات التظليل”



عفاف العتيبي 

سمعنا بالمقولة العامية (كذب كذبة وصدقها) حقيقة لايمكننا مجانبتها فهي حالة تصيب عقل اي شخص سليم ومعافى تجعله يخلط بين التفاصيل الحقيقة والوهمية.

يبدأ تشويه الذاكرة بعد الاكتساب في لحظة اجترار الذاكرة الموقف يُعاد تخزينه وتشكيله لحظتها تقع فريسة لدماغك الذي يخلق تفاصيل دقيقة تجعلك تؤمن بصدق الذكريات المعدلة والعوامل الحسية تلعب دوراً مهما في إشباع الموقف بزخم من الأحداث لتقرنها بالرائحة والتذوق فتعزز تشكيل الذاكرة، فكثافة الذاكرة تقترن بقوة المشاعر والعاطفة الشديدة المتزامنة مع حدث مهم، ومهما حرصت وكان حذرك قد تكون مُعرضاً لزرع فكرة وهمية بالتظليل والذكريات المفتعلة من خلال حوار أو حتى سؤال غير مباشر أو مجرد إقتراح أو تفاصيل زائفة يلتقطها اللاوعي من قصة سمعت عنها أو حادثة مؤثره وبتكرار خداع الذات على الإدراك للأحداث الماضية يحولها من تخيلات إلى واقعاً ملموساً فتصدق حقيقتها, فالتجارب العقلية تُعد تمثيل دقيق ومقنع ونرى ذلك فعالاً في السياسة والإعلام عند ترويج فكرة غير صحيحة.

(فكثير من الناس اعتقدوا أن نيلسون مانديلا توفي في السجن في الثمانينات حتى إنهم يتذكرون تقارير إخبارية وجنازة ضخمة له، لكن في الواقع مانديلا خرج من السجن عام 1990م وأصبح رئيسا لجنوب أفريقيا وتوفي عام 2013م).

تُسمى هذه الظاهرة “تأثير مانديلا” وهي أن مجموعة من الأشخاص قد يتشاركون ذكرى واحدة غير حقيقية، ذاكرة اجتماعية تأثرت بمعلومات مغلوطه ومع كثرة التكرار أصبحت حقيقة، وما يثبت إمكانية التلاعب بالذاكرة تجربة أجراها طالب علم نفس (جيم كوان) بمساعدة (إليزابيث إف لوفتس) وهي عالمة نفس معرفي أمريكية وخبيرة في الذاكرة البشرية أشتهرت بعملها الرائد حول تأثير المعلومات الخاطئة وذاكرة شهود العيان، وخلق الذكريات الخاطئة وطبيعتها, في التجربة تم إقناع بعض الأشخاص بقصة مفبركة عن انهم ضاعوا في المركز التجاري وهم أطفال حتى أصبح بعضهم يتذكر تفاصيل الحدث مثل شكل المكان والأشخاص الذين ساعدوهم رغم ان هذا لم يحدث ابدا, المقلق جدا أثبت ذلك أن الذكريات تتشكل بسهوله بناء على ما نسمعه ونصدقه و بتكرار المعلومات المغلوطة يتم التلاعب بأدمغتنا التي تحاول جاهده لتملأ الفراغات عندما لا نتذكر التفاصيل بدقة.

لذلك من أسس قيمنا الدينية التشريعية يكون عدد الشهود على حسب المشهود، حتى لا يسقط في مزالق تزييف الذاكرة.

فقابلية خلق ذاكرة كاذبة شائع أثبتتها تجربة (جولياشو) دكتوراه في علم النفس ومتخصصة في الذاكرة وعلم نفس الجريمة، أحضرت 60 شاب لم يرتكب منهم جريمة سابقاً، وبمساعدة محققون تم استخدام الضغط النفسي والإيحاء لإقناع الشباب بأنهم ارتكبوا سرقة أو اعتداء في سن المراهقة ولديهم معلومات من عائلاتهم، رغم أن ذلك عاري من الصحة.

وبعد عدة جلسات للمشاركين وتحفيز ذاكرتهم لتذكر تفاصيل الجريمة بدأ يتذكر 70% منهم الجريمة الزائفة وأصبحوا يضيفون تفاصيل جديد من تلقاء نفسهم مثل لون الملابس أو تعابير وجه الضحية، وعند انتهاء التجربة ظل بعضهم مقتنعاً بأنهم فعلوا ذلك بالفعل.

يقول توماس هنري هكسلي” أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئاً دون أدلة” فكرة مُرعبه أن تحمل في جمجمتك رابض يأبى الترويض يتشكل كيفما كان ليخذلك عندما تبدأ بالحديث فلا تملك أدنى حَجة لتلجمه بها وقد تكون فريسة للتلاعب والتشويش الذهني؛ حرف إبليس مفهوم الخلود لتظليل آدم وغير منظوره تجاه أمر الله بالحيلة ليخرج آدم من الجنة وفيها أنزل الله تعالى قوله: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) ولتحصن ذاكرتك من أصحاب الحيل النفسية أصنع الذكريات مع عائلتك وتثبت بالحقائق وتأكد من أن الذين حولنا يحملون نفس الذاكرة في ذات الموقف، ولا تبالغ في إجهاد العقل في تذكر التفاصيل المفقودة, قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “إنَّ أولَ من جَحَدَ آدمُ عليهِ السلامُ ” ثلاثاً – “فلمَّا انقضى عمرُ آدم جاءه ملكُ الموت، قال: أولم يبقَ من عمري أربعون سنةً؟ قال: أولم تُعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدمُ فجحدت ذُريته، ونسي آدمُ فنسيت ذُريته، وخطئ آدمُ فخطئت ذُريته” ؛ ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فمِن يَومِئذٍ”، أي: مِن ذلك الوقتِ، “أُمِرَ بالكِتابِ والشُّهودِ”، حتى لا تضيع الحقوق بين النسيان والجحود, استعادة وضوح رؤيتنا لأنفسنا ولعالمنا لا يكون الا بالتفكير النقدي فدعم الشهادات بأدلة مادية وتدوين التواريخ والتفاصيل والتوثيق بالصور يساهم في تقليل فرص تصديق المعلومات المشوهة فهو تمرين صحي لتحصين العقل.


رد واحد على “مستودع الذكريات .. “ملفات التظليل””

  1. يقول Dania:

    كلمات أكثر من رائعه ،، جداً شدتني
    نشكر الصحفيه القائمه على هذا المقال

Average 
 4.7 Based On 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


مواضيع ذات صلة بـ مستودع الذكريات .. “ملفات التظليل”

جميع الحقوق محفوظة صحيفة الراية الإلكترونية ©

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب